هوليود والإسلاموفوبيا- قواعد الاشتباك تشوه صورة المسلمين

لا شك أن دور هوليود في تعزيز ظاهرة الإسلاموفوبيا يستدعي إجراء دراسات معمقة ومفصلة، تسلط الضوء على الأساليب والتقنيات المتطورة التي تستخدمها وكالات الاستخبارات الأميركية للتأثير في الرأي العام وتوجيهه نحو أهداف معينة.
في هذا السياق، يبرز فيلم "قواعد الاشتباك" الذي أنتج في عام 2000، كنموذج صارخ للأفلام التي ترسخ صورة نمطية سلبية عن المسلمين، وتضفي شرعية زائفة على العدوان الأميركي ضدهم.
تدور أحداث هذا الفيلم، الذي تم تصويره في اليمن، حول مظاهرة أمام السفارة الأميركية في صنعاء، حيث يبدأ شخص عربي بإلقاء بيان يتضمن عبارات معادية للأميركيين، مما يشعل فتيل المظاهرات الغاضبة التي تتوجه نحو السفارة، ويقوم المتظاهرون برشقها بالقنابل والزجاجات الحارقة والحجارة.
الهدف: إنقاذ السفير
مع تصاعد وتيرة الأحداث، يقوم قناص يمني بإطلاق النار على السفارة، مما يستدعي تدخل قوة من مشاة البحرية الأميركية لإنقاذ السفير وعائلته، وخلال عملية الإنقاذ، يُقتل ثلاثة من عناصر المارينز.
على إثر ذلك، يصدر العقيد تشيلدرز أوامره لقواته بإطلاق النار على المتظاهرين، مما يسفر عن مقتل 83 يمنيا وجرح العشرات.
يمضي تشيلدرز قدما في خرق قواعد الاشتباك التي يلتزم بها الأسطول الأميركي، مما يؤدي إلى مقتل مدنيين يمنيين أبرياء، بمن فيهم عدد من الأطفال.
تبرير القتل
نتيجة لهذه الأحداث، يتم تكليف المحامي هايز هودجز بالتحقيق في القضية، بهدف الكشف عما إذا كانت هناك مؤامرة تستهدف القيام بعمل إرهابي ضد المواطنين الأميركيين.
وفي المشهد الأخير من الفيلم، يتضح وجود مؤامرة بالفعل، حيث تشير مجموعة من اليمنيين، من بينهم امرأة ترتدي ثوبا أسود وتحمل بندقية في يدها، إلى تشيلدرز وفريقه، بينما تتقدم فتاة صغيرة تمشي على رجل واحدة وتحمل بندقية، وتبدأ بإطلاق الرصاص.
الرسالة التي يسعى الفيلم إلى إقناع الجمهور بها هي أن العقيد تشيلدرز، القائد الأميركي الحكيم، محق في إصدار أوامره بإطلاق النار ضد كل من يرتكب أعمال عنف، فهو بذلك يقوم بواجبه الوطني، حتى لو أدى ذلك إلى قتل الأطفال، فحياة الأميركيين هي الأهم، ولا يمكن مقارنة قيمتها بحياة أي شعب آخر، وهذا هو جوهر قواعد الاشتباك.
لا تعاطف مع العرب
بذلك، فإن المشاهد الذي قد يعتقد في البداية أن إطلاق النار على اليمنيين كان خطأ، يتم توجيهه تدريجيا للاعتقاد بأن قتل العرب أمر ضروري ومبرر، بما في ذلك قتل الأطفال، وأن الـ 83 يمنيا يستحقون الموت، لأنهم يدربون الأطفال على إطلاق النار على الأميركيين، وأن تصرف تشيلدرز بإطلاق النار عليهم كان دفاعا عن النفس.
يستخدم الفيلم تقنيات السينما الأميركية الحديثة، مثل "الفلاش باك"، حيث يتم التلميح إلى مهمة الأسطول الأميركي في فيتنام عام 1968، فيتذكر هايز هودجز كيف أن قرار تشيلدرز الحكيم بإطلاق النار على قائد الجيش الفيتنامي ساهم في إنقاذ قواته، وإنقاذ حياة العديد من الأميركيين في فيتنام.
الأميركي بطل في كل زمان ومكان
ولكن ما جدوى هذه الإشارة في فيلم تدور أحداثه في اليمن ويسوغ قتل العرب الذين "يتآمرون" على الجيش الأميركي؟ إن الشعب الأميركي يعاني من عقدة فيتنام ويشعر بالعار من الفظائع التي ارتكبها الجيش الأميركي بحق الفيتناميين، لذلك يحاول الفيلم تبرئة الجيش الأميركي وتصوير تشيلدرز كبطل حكيم طوال حياته، حتى في فيتنام، وأنه يصدر أوامره بإطلاق النار على اليمنيين والفيتناميين دفاعا عن النفس، وهذا دليل على أن تشيلدرز يمتلك القدرة على اتخاذ قرارات صائبة تستحق التقدير لإنقاذ حياة الأميركيين.
لذلك، يتوازى مشهد إطلاق النار على الفيتناميين مع مشهد إطلاق النار على اليمنيين بهدف إقناع المشاهدين بأن الجيش الأميركي، عندما يطلق النار، فإنه يواجه العنف والإرهاب المحتمل، ويقوم بواجبه الوطني على أكمل وجه.
الواجب أولا حتى لو أدى إلى زهق الأرواح
الرسالة الضمنية التي يروج لها الفيلم هي أن القائد الأميركي، مثل تشيلدرز، مخول بإعطاء الأوامر بإطلاق النار على أي شخص يُظهر ميلا للعنف، معتبرا ذلك واجبا وطنيا لا يمكن التهاون فيه، حتى لو تسبب في إزهاق أرواح الأطفال، فالأولوية المطلقة هي لحماية حياة المواطنين الأميركيين، وهذا هو المبدأ الأساسي الذي تقوم عليه قواعد الاشتباك.
صورة نمطية سلبية للعرب
يعتمد الفيلم على مجموعة متنوعة من العناصر لتشويه صورة اليمنيين، وتقديمهم بطريقة سلبية تقلل من فرص تعاطف الجمهور معهم.
على سبيل المثال، يقدم الفيلم صورة بانورامية لصنعاء من طائرة هليكوبتر، حيث تظهر كصحراء قاحلة تتخللها واحة صغيرة تضم بعض أشجار النخيل، وبيوتها مبنية من الطين، دون أي إشارة إلى مظاهر التمدن أو الحضارة في عاصمة اليمن.
هذه هي الصورة التي أرادت هوليود تسويقها للعالم عن صنعاء، وهو ما يمثل استمرارا للنهج الهوليودي في تصوير الدول العربية على أنها متخلفة، بينما يتم تصوير المدن الأميركية والأوروبية على أنها رمز للتقدم والتطور.
بهذه الطريقة، يتم تصوير صنعاء كمدينة متخلفة، وبيوتها مبنية من الطين، وهي مجرد واحة صغيرة في صحراء قاحلة تنتشر فيها أشجار النخيل.
كما يصور الفيلم اليمنيين على أنهم متخلفون وغير متحضرين، ويميلون دائما إلى العنف، وبالتالي فإن حياتهم لا تستحق الاهتمام.
الربط بين الإسلام والتخلف
في هذا الفيلم، يمكن للمشاهد أن يلاحظ بوضوح الربط المتعمد بين الجغرافيا والتاريخ والسكان، وتصوير التخلف والفقر على أنهما مرتبطان بهذه العوامل، وذلك تمهيدا لترسيخ خطاب سينمائي هوليودي يربط التخلف بالإسلام.
فعندما يزور هودجز مستشفى في صنعاء لمقابلة الضحايا، يجد أن المستشفى أشبه بمعسكر، وأن الذباب يغطي المكان ويملأ وجوه المصابين، وأن الدماء تلطخ الأسرة والملابس، ولا يوجد أطباء في هذا المكان القذر.
لهذا يكرهون أميركا
ووفقا للفيلم، فإن العرب، بسبب تخلفهم، يعادون أميركا ويكرهونها، ويقذفون سفارتها بالحجارة، ويطلقون الرصاص على الأميركيين، فهل يمكن توجيه اللوم إلى القائد تشيلدرز الذي اتخذ قراره الحكيم بإطلاق النار عليهم لإنقاذ حياة الأميركيين؟ وهكذا تتضح الرسالة، بينما تتوالى المشاهد التي تصور فقر اليمنيين وتخلفهم.
الشخصية العربية العدوانية
خلصت إحدى الدراسات إلى استنتاج مهم مفاده أن المشاهد المتكررة في الفيلم تدفع المشاهدين إلى إصدار حكم عام على العربي بأنه شخصية عدوانية وعنيفة، بغض النظر عن جنسه أو عمره. واليمني الذي يستخدم الحجارة وقنابل المولوتوف يتم تصويره على أنه ذو حواجب كثيفة وأسنان مكسورة سوداء، والنساء لا تظهر سوى عيونهن الغاضبة.
هذا المشهد الدرامي يساهم بشكل كبير في تشكيل صورة نمطية سلبية عن العرب، ويقلل من فرص التعاطف معهم، ويتضح من ذلك أن السينما الأميركية تمتلك القدرات والتقنيات الحديثة اللازمة لبناء الصور النمطية عن الشعوب، وإدارة حرب الصور والكلمات.
إخراجهم من الإنسانية
الانطباع الذي قد يخرج به المشاهد لهذا الفيلم هو أن الشعب اليمني برمته شرير وخطر، وبالتالي يتم إخراجه من دائرة الإنسانية، خاصة عندما تتم مقارنته بالأميركيين الذين يحرصون على العدالة، والذين لا يلجأون إلى العنف إلا دفاعا عن النفس.
في ضوء ذلك، يمثل فيلم "قواعد الاشتباك" حالة مهمة توضح دور هوليود في حرب الصور، ففي الوقت الذي استخدمت فيه كافة التقنيات لتشويه صورة الشعب اليمني، قامت بتمجيد الأميركيين، وتقديمهم بصورة إنسانية، فزوجة السفير الأميركي الجميلة تحمل بين ذراعيها طفلها الجميل، وهي تتحدث بكلمات هادئة لطيفة، بالرغم من خوفها من ذلك اليمني القبيح الشرير المتوحش كما صورته هوليود.
خطاب استعماري
يشير عبيدة منشاوي فوال إلى أن التصوير الدرامي في هذا الفيلم يمثل امتدادا للخطاب الاستشراقي الاستعماري، الذي يقسم العالم إلى غربيين بيض طيبين في مقابل عرب سيئين وأشرار.
لذلك، يتجاهل الفيلم العديد من الحقائق، مثل سبب تلك المظاهرة التي قام بها اليمنيون أمام السفارة الأميركية، وبالتالي يتم دفع المشاهد للتعامل مع المظاهرة على أنها عمل غير عقلاني كما وصفها السفير الأميركي.
تشيلدرز بريء وقراره مبرر
هذا هو التفسير الذي قدمه الفيلم لغضب اليمنيين ومظاهرتهم أمام السفارة الأميركية، فهو عمل أحمق ناتج عن كراهية المسلمين للأميركيين، وبذلك يجد المحامي هودجز الدليل على براءة تشيلدرز في شريط صوتي يتضمن هتافات اليمنيين الذين يطالبون بقتل الأميركيين، وإعلان الجهاد ضد أميركا، ودعوة كل المسلمين الذين يطيعون ربهم لقتل الأميركيين وحلفائهم من المدنيين والعسكريين، فـ"ذلك واجب كل مسلم".
وهكذا توضح ترجمة الشريط الصوتي أن كراهية اليمنيين للأميركيين سببها التعاليم الدينية الإسلامية، وأن العرب أشرار ومعادون لأميركا، لذلك يتوصل المحقق هودجز إلى النتيجة التي مفادها أن اليمنيين يستحقون إطلاق النار عليهم، وأن قرار تشيلدرز بإطلاق النار لقتل العرب كان ضروريا وحكيما ومبررا.
هذه هي العدالة الأميركية
بذلك، نزعت هوليود صفة الإنسانية عن الشعب اليمني بأكمله وعن جميع المسلمين، وقدمت المبرر لإطلاق النار عليهم لأنهم متعصبون وأشرار ويشكلون تهديدا لأميركا.
إن قتل العربي أو المسلم في الخطاب الهوليودي الاستعماري "مبرر وضروري لحماية أمن أميركا"، وهذه هي قواعد الاشتباك التي تتجلى فيها العدالة الأميركية.
وبذلك تغذي هوليود الإسلاموفوبيا وتنشر الكراهية ضد المسلمين، وتقدم الإسلام باعتباره العدو للشعب الأميركي، كما تشن حملة دعائية ضد المسلمين بهدف تشكيل إجماع شعبي أميركي على شن الحرب ضدهم.